نواكشوط

تقارير مريم بي إف: تحول شخصي من الأمومة المبكرة إلى مناصرة مجتمعها بفضل تنظيم الأسرة

في دار النعيم، أحد أحياء ضواحي العاصمة نواكشوط، تميّزت القابلة والمساعدة الممرضة مريم منت عبد الوهاب بمسيرتها في مجال تنظيم الأسرة وجهودها في التوعية والمناصرة، ما جعلها تحظى بلقب "مريم بي إف".

Image مريم بي إف، خلال مقابلة مع موريتانيا الثقافاية، في مركز الصحة تيسير بدار النعيم (نواكشوط). ©ثقافات موريتانيا
  • تاريخ النشر 30 سبتمبر 2025 | 22:52
    تحديث 30 سبتمبر 2025 23:03
  • مشاركة
    287 قراءة

    تشير الساعة إلى الثانية بعد الظهر في المركز الصحي "التيسير" التابع لجمعية ترقية الصحة بدار النعيم. تحت خيمة، تجلس مريم بي إف، وقد انسدل خمار وردي على رأسها وكتفيها. أمامها طاولة تتناثر فوقها ملفات طبية، وإلى جانبها زميلة تشاركها العمل. على ملامحها ترتسم هدوء وطمأنينة، هدوء خلفته سنوات من التجربة والكفاح من أجل صحتها وصحة نساء حيّها


    مريم بي إف تتحدث مع زميلة لها، رماتو الله، في مركز الصحة تيسير في دار النعيم (نواكشوط). ©ثقافات موريتانيا


    أنجبت مريم بي إف طفلها الأول وهي في السابعة عشرة من عمرها. وبعد ثلاث حالات حمل متتالية بفواصل قصيرة، وجدت نفسها عند مفترق طرق في حياتها. وبعد أربعة أطفال، بعضهم يفصل بينهم عام واحد فقط، قررت اللجوء إلى وسائل تنظيم الأسرة لضمان صحتها وصحة أسرتها.


    تقول مريم: "كان من الضروري أن أعتني بصحتي لأمنح أطفالي مستقبلًا أفضل. ومع معاناة زوجي من المرض وعدم قدرته على العمل، قررت اللجوء إلى وسائل تنظيم الولادة."


    إقناع الزوج


    في البداية، كان على مريم بي إف إقناع زوجها، الذي كان يفضّل الأساليب التقليدية لمنع الحمل. أما هي، فكانت مدركة لمخاطر ذلك على صحتها وتأثيره السلبي على حياتها العائلية، لذا شدّدت على ضرورة اللجوء إلى وسائل أكثر أمانًا. تشرح مريم بي إف: "كانت الطرق التقليدية ستؤدي إلى تدهور صحتي، وتمنعني في المستقبل من العناية بأطفالنا على أفضل وجه."


    لم يمنح الزوج موافقته إلا بعد نقاشات طويلة. وحتى بعد ذلك، لاحظت مريم بي إف استمرار تحفّظاته بمجرد شروعها في تناول حبوب منع الحمل، إذ بدأ يشتكي من تغيّرات في حياتهما الزوجية ينسبها إلى الحبوب.


    "كان زوجي يخفي حبوب منع الحمل عني، معتقدًا أنها تقلل من رغبتي الجنسية، أما أنا فكنت أرى تناولها وسيلة أساسية للحفاظ على صحتي."


    في النهاية، اختارت مريم بي إف التحول إلى الحقن الهرمونية، وهي وسيلة منع حمل أكثر سرية ولا تتطلب تناولًا يوميًا. وتقول مريم: "أتاحت لي الحقنة الاستمرار في العناية بصحتي دون أن تتجدد الخلافات مع زوجي."

    مقاومات اجتماعية وثقافية ضد تنظيم الأسرة


    من خلف مكتبها في مركز "تيسير"، توضح فاطمة عمر ديوب، مديرة جمعية ترقية الصحة بدار النعيم (APSDN)، أن هناك "العديد من الشائعات المغلوطة التي تعيق النساء. يُقال، على سبيل المثال، إنه بعد استخدام وسائل تنظيم الأسرة يجب غسل الرحم قبل القدرة على الحمل مرة أخرى، أو أن المرأة التي تستخدم اللولب الرحمي (DIU) قد تنجب وهي تحمل اللولب في يدها."


    فاطمة عمر ديوب، رئيسة جمعية ترقية الصحة بدار النعيم، في مكتبها بمركز الصحة تيسير في دار النعيم (نواكشوط). ©موريتانيا الثقافاية


    تؤكد هذه المعوقات الاجتماعية والثقافية تقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، حيث تشير الوكالة المختصة بالصحة الجنسية والإنجابية إلى أن 31٪ من النساء المتزوجات في موريتانيا لم تُلبَّ حاجتهن من وسائل تنظيم الأسرة.


    تظل الرؤية الثقافية للأمومة محورًا أساسيًا، ففي الوعي الشعبي الموريتاني تهيمن فكرة أن الطفل وبقاؤه مرتبطان بالإرادة الإلهية. وتشير راماتو لاي غي، وهي أيضًا قابلة ومساعدة ممرضة في مركز "تيسير"، إلى الصعوبة التي تواجه النساء في التوفيق بين تنظيم الأسرة والمعتقدات الثقافية والدينية.


    "هناك مثل باللغة الفولانية يقول: 'الأطفال هبة من الله، ويجب أن ننجب منهم الكثير، فالله سيملأ فم كل واحد منهم بالأرز أو بالرمل.' ويعني ذلك أن الله سيتكفل بإطعامهم في جميع الأحوال."


    في هذا السياق، تعود مديرة جمعية ترقية الصحة بدار النعيم لتؤكد أن "البعض ينظر إلى تنظيم الأسرة كتحدٍ للإرادة الإلهية وليس كإجراء صحي."


    عقبات


    تشترط القوانين الموريتانية الحصول على موافقة الزوج قبل استخدام وسائل تنظيم الأسرة. فهل يشكّل ذلك عقبة إضافية أمام النساء؟ على أي حال، تروي مريم بي إف تجربتها الخاصة: "أتذكر أول موعد لي مع القابلة لتناول حبوب منع الحمل، حيث رفضت استقبالي لعدم وجود زوجي برفقتي، فاضطررت للعودة في موعد لاحق معه."


    على الرغم من أن البعض يعتبر هذا الشرط القانوني عائقًا، تؤكد مريم، الناشطة في مجال تنظيم الأسرة، على مبدأ الشفافية بقولها: "أقوم بتوعية الأسر في إطار احترام التشريعات: لا تنظيم أسرة للنساء غير المتزوجات، ولا تنظيم أسرة من دون موافقة الزوج."


    في موريتانيا، توفّر المراكز الصحية خدمات تنظيم الأسرة مجانًا، إلا أن الانقطاعات المتكررة في المخزون تدفع الأطباء في كثير من الأحيان إلى توجيه النساء لشراء الوسائل من الصيدليات. وفي هذا الإطار، تحذّر مريم، الناشطة في مجال تنظيم الأسرة، قائلة: "للأسف، تتردد بعض النساء في اقتناء وسائل منع الحمل ويفضّلن انتظار إعادة التزويد، مما يعرض صحتهن لمخاطر جسيمة، خاصةً اللواتي خضعن لعمليات قيصرية متكررة."


    في إطار التزامها بتقديم المشورة للنساء حول تنظيم الأسرة، لا تخلو رحلة مريم من المخاطر. وتستذكر تجربة مؤثرة حين جاءت إليها امرأة بعد أن حصلت على موافقة زوجها لاستخدام وسيلة لمنع الحمل، لكنها عادت بعد بضعة أشهر لتغيير الوسيلة. غير أن الزوج كان قد غيّر رأيه في تلك الأثناء دون أن تخبره زوجته. فما كان منه إلا أن قدم شكوى ضد مريم. ولحسن الحظ، نجت مريم من الملاحقة بفضل الموافقة الأولية التي كان الزوج قد أعطاها.


    فضلاً عن تقديم الاستشارات الطبية، تمنح القابلة اهتمامًا شخصيًا ومرافقة متواصلة للنساء في حيّها. "كنت أعاني من ارتفاع ضغط الدم، وكان الحمل يشكّل خطراً عليّ. وقد أرشدتني مريم إلى خدمات تنظيم الأسرة. واليوم، تمكنت من العثور على وسيلة مناسبة لحالتي الصحية."



    مريم بي إف تقوم بحملة توعية بين جيرانها في الحي حول تنظيم الأسرة (PF). © موريتانيا الثقافاية


    "أشرح للنساء فوائد تنظيم الأسرة لصحتهن وصحة أطفالهن. بعد ذلك، يبقى لهن القرار في اختيار الوسيلة الأنسب لأجسادهن"، تضيف مريم.


    في إطار انضمامها لمبادرة FP2030 (الشراكة العالمية الوحيدة المعنية بتنظيم الأسرة)، أنشأت موريتانيا منذ عام 2020 خطًا ميزانيًا مخصصًا لشراء وسائل منع الحمل. ويُترجم هذا الالتزام باستثمار وطني يُقدّر بنحو 500,000 دولار أمريكي بحلول عام 2026. ويهدف هذا الاستثمار إلى خفض معدل الوفيات بين الأمهات، الذي يُقدّر بـ 424 وفاة لكل 100,000 ولادة حية، وفقًا لمسح السكان والصحة في موريتانيا (EDSM) 2019-2021، الصفحة 297.


    كما قدّم صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) في عام 2023 وسائل منع الحمل بقيمة 136 مليون دولار أمريكي، مساهماً بذلك في تجنب نحو 10 ملايين حمل غير مقصود وأكثر من 200,000 حالة وفاة بين الأمهات والأطفال.


    في عام 2024، سجّل البلد استخدام 130,000 امرأة لوسيلة منع حمل حديثة، مقارنة بـ 68,000 امرأة في عام 2012، ما رفع نسبة الانتشار إلى 11.1%. ومع ذلك، لا تزال الاحتياجات غير الملبّاة مرتفعة، بنسبة 21.1%، وفقًا لتقرير FP2030 - Track20 لعام 2024.


    اقتراح حلول 


    تُفيد مديرة الجمعية الموريتانية للصحة والتنمية الوطنية (APSDN): "كل صباح، نقوم بعقد جلسة توعية مع الأشخاص الذين يأتون إلى مراكزنا لتلقي الرعاية، وتُعدّ موضوعات تنظيم الأسرة جزءًا من المحاور التي نناقشها.


    كما يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) مع القادة التقليديين لإزالة الحواجز الاجتماعية، مقدمًا مقترحات للحلول في تقريره CAP لعام 2024.

    التركيز بشكل أكبر على الرجال والشباب:


    ·       تعزيز توزيع وسائل منع الحمل على المستوى المجتمعي.

    ·       الترويج لوسائل منع الحمل طويلة المدى.

    ·       إعادة تنظيم مراكز الشباب.

    ·       زيادة مشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدني.

    ·       ضمان مجانية الخدمات للشباب



    أما مريم بي إف، فتواصل مشاركة قصتها لمساعدة نساء أخريات على الاهتمام بصحتهن الإنجابية، وهكذا تجسّد التغيير الذي يمكن أن يتيحه تنظيم الأسرة. وتختتم مريم PF بالقول: "تتجاوز أهمية تنظيم الأسرة مجرد وسائل منع الحمل، فهي مسألة صحة ورفاهية."


  • محرر . profile-pic محمد ديوب
  • حول نفس الموضوع

    تعليقات