29°
تُعد حواء صمب جاكيتي واحدة من أبرز الوجوه الإعلامية الناطقة بلغة السونينكي في موريتانيا. وُلِدت في بمبارا دوغو (سيلبابي، ولاية كيديماغا)، وتُجسد من خلال أعمالها صوت مجتمعها، ساعيةً إلى إبراز ثقافته وحماية لغته، التي أصبح العالم يحتفل بها في الخامس والعشرين من سبتمبر من كل عام بفضل جهود منظمة اليونسكو.
كانت حواء تحلم منذ الطفولة بأن تصبح صحفية، وقد دعم والدها، صمب جاكيتي، هذا الطموح، إلى جانب لقائها الحاسم مع إيدي سوماري، رئيس قسم السونينكي في إذاعة موريتانيا، الذي شكل نقطة تحول في مسيرتها. في عام 2011، بدأت أولى خطواتها المهنية من خلال فترة تدريب دامت ثلاثة أشهر، كانت بمثابة الشرارة التي أطلقت مسيرتها في عالم الصحافة. ويستذكر إيدي سوماري هذه البداية قائلاً: “أظهرت شغفًا كبيرًا بالعمل منذ اليوم الأول، وهو ما يفسر ارتقاءها السريع في الإذاعة والتلفزيون على حد سواء”.
لم يمض عام على دخولها الميدان المهني، حتى أصبحت حواء في عام 2012 مقدمةً لنشرة الأخبار بلغة السونينكي في إذاعة موريتانيا. في السنة التالية، انضمت إلى إذاعة “تنوير” الخاصة، حيث أطلقت أول برامجها التي تناولت قضايا حقوق الطفل. ومنذ عام 2014، بدأت العمل في قناة “المرابطون” الفضائية، حيث واصلت مهمتها في إيصال صوت السونينكي وإبراز قضاياهم عبر الإعلام.
حواء صمب جاكيتي تقدّم برنامج “كافو حاجو” على القناة الموريتانية “الموريتانية”، في 24 أبريل 2025. الصورة ©CulturesMauritanie
من أبرز البرامج التي قدمتها حواء ونالت استحسان الجمهور: “سيري”، “دو ووري”، “ماسلا”، و”معًا يا شباب”. هذه البرامج لم تقتصر على الترفيه، بل كانت منابر توعوية وتثقيفية، هدفت إلى تنمية وعي الشباب، وتعزيز التنوع الثقافي واللغوي، مع تركيز خاص على إبراز لغة السونينكي وتراثها.
عُرفت حواء بروحها الجماعية العالية في جميع المؤسسات التي عملت بها، حيث استفادت من خبرات رموز الصحافة الناطقة باللغة السونينكية مثل تييرنو تاجان، وجاجي صمب كمارا وباب انجاكي تراوري، وإيدي سوماري، وكيسيما جاغانا الذين يعدّون من رواد هذا المجال.
وتستذكر حواء موقفًا إنسانيًا مؤثرًا من مسيرتها المهنية، حين أجرت حوارًا مع سيدة أعمال فقدت والديها في سن مبكر، قائلةً: “تركت تلك المقابلة أثرًا عميقًا في نفسي، وعزّزت قناعتي بأهمية نقل القصص الإنسانية التي تُلهم آخرين”.
حواء صمب جاكيتي في حديث مع أحد الفنيين مباشرة بعد انتهاء برنامجها “كافو حاجو”، في 24 أبريل 2025. الصورة ©️CulturesMauritanie
بعيدًا عن الميكروفون والكاميرا، تتميز حواء أيضًا بموهبة لافتة في تصميم الجرافيك، وهي ترى في البُعد البصري عنصرًا جوهريًا في نقل المعلومات، وتقول: “نحو 30% من المعلومات يسهل فهمها بشكل أفضل عند تقديمها بصريًا، لأن الصورة تُقرّب المعلومة وتُعمّق تأثيرها”. هذا التعدّد في المهارات منحها تميزًا في المشهد الإعلامي الموريتاني.
إلى جانب عملها الإعلامي، تنشط حواء في المجال الجمعوي من خلال جمعية “واغادو صانع”، الهادفة إلى التعريف بتراث وثقافة السونينكي. وتشهد الناشطة في نفس الجمعية مارييتو ديكو على دورها قائلةً: “حواء تشاركنا بانتظام موادّ إذاعية قيّمة عبر مجموعتنا على تطبيق واتساب، في مختلف المواضيع كالثقافة، والصحة، والفنون وغيرها”.
ويصل عدد متابعي حواء على منصات التواصل الاجتماعي إلى نحو خمسة آلاف شخص، ما يمنحها فرصة للوصول إلى فئات لا تتابع الإعلام التقليدي، وتوضح قائلةً: “وسائل التواصل تُتيح لي إيصال الرسالة إلى جمهور أوسع وأكثر تنوعًا"
ظهور حواء صمب جاكيتي على "تيك توك" وهي ترتدي زيّا تقليديا خلال احتفال تعميد تمّ وفقًا للعادات السونينكية
Watch on TikTok
رغم النجاحات التي حققتها، لا تُخفي حواء
التحديات التي تواجهها كإعلامية، خصوصًا كامرأة في موريتانيا. فهي كأمّ عزباء تضطر
إلى التوفيق بين مسؤولياتها الأسرية وحياتها المهنية. لكن دعم والدتها، آسا ساديو
كوني، كان له دور كبير في تمكينها من مواصلة مسيرتها. وتقول الوالدة بفخر: “ابنتي
شغوفة بعملها، ولم تعتبر يومًا أن كونها امرأة سيقف عائقًا أمام طموحاتها”.
تسعى حواء باستمرار إلى تطوير قدراتها، خصوصًا في مجالات الصحافة الرقمية، إدراكًا منها بأهمية التكيف مع العصر الجديد الذي تهيمن فيه وسائل الإعلام الحديثة. وتقول: “من واجبي تحسين مهاراتي لأواكب المستجدات، وأُساهم في تعزيز حضور التراث السونينكي على المستويين الوطني والدولي”.
وتُعدّ مبادرة اليونسكو لاعتماد يوم عالمي للغة السونينكي محطة فارقة في مسيرة حواء، إذ شكّلت اعترافًا عالميًا بقيمة هذه اللغة، ودعمًا كبيرًا لعملها الإعلامي، وتقول في هذا السياق: “هذا الاعتراف أتاح لي فرصة أكبر لتعريف الجمهور بجهودي الإعلامية”.
وفي خطوة جديدة نحو ترسيخ حضورها المهني، التحقت حواء مؤخرًا بالتلفزيون الوطني الرسمي “الموريتانية”، مواصلةً مهمتها في نقل صوت مجتمع السوننكي، وتعزيز التنوع الثقافي في موريتانيا، من خلال الإعلام والعمل التطوعي.
تابعوا أيضا موريتانيا الثقافية على اليوتيب
لمواكبة الأحداث الثقافية في موريتانيا